خطبة عيد الأضحى للشيخ العلامة البشير الإبراهيمي ـ رحمه الله ـ
الحمد لله المبدئ المعيد ، الولي الحميد ، ذي العرش المجيد ، الفعال لما يريد ، و نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و لا ضد و لا نديد ، شهادة مخلص في التوحيد ، راج للحسنى و المزيد ، و نشهد أن سيدنا محمدا عبده و رسوله لبنة التمام و بيت القصيد ، صلى الله عليه و على آله و أصحابه و أزواجه و ذريته و التابعين ، و الناصرين لسنته بالقول و الفعل إلى يوم الدين.
الله أكبر ، الله أكبر ، عباد الله : إن هذا العيد من شعائر الإسلام العظيمة ، و سنن الدين القويمة ، شرع الله فيه هذه الصلاة لنجتمع بقلوبنا و أجسادنا ، و نتعاطف و نتراحم و نتسامح و نتصافح ، و تظهر الأخوة الإسلامية على حقيقتها ، و شرع فيه الأضحية لنوسع فيها على العيال ، و ندخل الفرح على النساء و الأطفال ، و نتصدق منها على الفقراء و السُّؤَّال ، و بهذا يشترك المسلمون كلهم في هذا اليوم في السرور ، و يتقارب الأغنياء و الفقراء بالرحمة ، و تتواصل أرواحهم و أجسادهم بالأخوة و المحبة ، و يتذكرون جميعا ما أتى به الدين الحنيف من خير و معروف و إحسان .
الله أكبر ، الله أكبر ، إن سنة الأضحية مرغب فيها من نبينا صلى الله عليه و سلم من كل قادر عليها لا تجحف حاله ، و لما كانت قربة إلى الله فإنه يشترط فيها أن تكون كاملة الأجزاء ، سليمة من العيوب لقول الله تعالى في هذا المقام : (( لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون )) ، و لقوله تعالى في مقام الذم : (( و يجعلون لله ما يكرهون )) .
و قد كان نبينا صلى الله عليه و سلم يرغب في التصدق من لحمها على الفقراء في أعوام المجاعة و الفقر كعامنا هذا ، و ينهى عن الادخار في مثل هذه الأحوال ، فاجمعوا أيها الناس ـ على سنة رسول الله ـ بين سنة الأكل و الصدقة على الفقراء ، فإن الوقت وقت عسير ، و إن عدد الفقراء ـ و هو إخوانكم ـ كثير .
عباد الله : إن هذه الشعيرة الدينية و أمثالها من الشعائر هي كالربح في التجارة ، لا ينتظره التاجر إلا إذا كان رأس المال سالما ، أما رأس المال في الدين فهو تصحيح العقائد ، و تصحيح العبادات ، و تصحيح الأخلاق الصالحة ، و اتباع سنة نبينا صلى الله عليه و سلم في كل فعل و ترك ، و المحافظة عليها و الانتصار لها ، و نبذ البدع المخالفة لها ، ثم صرف الوقت الزائد على ذلك في الأعمال النافعة في الدنيا ، فإن الله لا يرضى لعبده المؤمن أن يكون ذليلا حقيرا ، و إنما يرضى له ـ بعد الإيمان الصحيح ـ أن يكون عزيزا شريفا عاملا لدينه و دنياه ، معينا لإخوانه على الخير ، ناصحا لهم ، آخذا بيد ضعيفهم ، محسنا لهم بيده و لسانه ، و بجاهه و ماله .
فصححوا عقائدكم في الله ، و اعلموا أنه واحد احد ، فرد صمد ، لا شريك له في ذاته و لا في صفاته و لا في أفعاله ، هو المتفرد بالخلق و الرزق و الإعطاء و المنع و الضر و النفع . فأخلصوا له الدعاء و العبادة ، و لا تدعوا معه أحدا و لا من دونه أحدا ، و طهروا أنفسكم و عقولكم من هذه العقائد الباطلة الرائجة بين المسلمين اليوم ، فإنها أهلكتهم و أضلتهم عن سواء السبيل ، و إياكم و البدع في الدين فإنها مفسدة له ، و كل ما خالف السنة الثابتة عن نبينا صلى الله عليه و سلم فهو بدعة .
و صححوا عباداتكم بمعرفة أحكامها و شروطها و معرفة ما هو مشروع و ما هو غير مشروع ، فإن الله تعالى لا يقبل منكم إلا ما شرعه لكم على لسان نبيه صلى الله عليه و سلم .
و